فصل: اختلاف الفقهاء في خروج المرأة في العدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.اختلاف الفقهاء في خروج المرأة في العدة:

وقد اختلف الفقهاء في خروج المرأة في العدة.
فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا للبائن الخروج من بيتها ليلا ولأنهارا.
وأما المتوفى عنها زوجها فتخرج نهارا وبعض الليل، ولكن لا تبيت إلا في منزلها.
قالوا: والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها في مال زوجها، فلا يجوز لها الخروج كالزوجة، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنها لانفقة لها، فلابد أن تخرج بالنهار لاصلاح حالها.
قالوا: وعليها أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة.
وقالوا: فإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها، أو أخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت، لأن هذا عذر، والكون في بيتها عبادة، والعبادة تسقط بالعذر، وعندهم: أن عجزت عن كراء البيت الذي هي فيه لكثرته، فلها أن تنتقل إلى بيت أقل كراء منه.
وهذا من كلامهم يدل على أن أجرة المسكن عليها.
وإنما تسقط السكنى عنها لعجزها عن أجرته، ولهذا صرحوا بأنها تسكن في نصيبها من التركة إن كفاها.
وهذا لأنه لاسكنى عندهم للمتوفى عنها زوجها - حاملا كانت أو حائلا - وإنما عليها أن تلزم مسكنها الذي توفي زوجها وهي فيه، ليلا ونهارا.
فإن بدله لها الورثة، وإلا كانت الاجرة عليها.
ومذهب الحنابلة جواز بالخروج نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها.
قال ابن قدامة: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفي عنها زوجها، قال جابر: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا» رواه النسائي وأبو داود، وروى مجاهد، قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله، وقلن: يارسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا؟ فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال: «تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها».
وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا إلا لضرورة، لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار، فإن فيه قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه.

.حداد المعتدة:

يجب على المرأة أن تحد على زوجها المتوفى مدة العدة، وهذا متفق عليه بين الفقهاء واختلفوا في المطلقة طلاقا بائنا.
فقال الأحناف: يجب عليها الاحداد.
وذهب غيرهم إلى أنه لا حداد عليها.
وتقدم في المجلد الأول حقيقة الحداد.

.نفقة المعتدة:

اتفق الفقهاء على أن المطلقة طلاقا رجعيا تستحق النفقة والسكنى.
واختلفوا في المبتوتة؟ فقال أبو حنيفة: لها النفقة والسكنى مثل المطلقة الرجعية، لأنها مكلفة بقضاء مدة العدة في بيت الزوجية، فهي محتبسة لحقه عليها فتجب لها النفقة، وتعتبر هذه النفقة دينا صحيحا من وقت الطلاق، ولا تتوقف على التراضي ولاقضاء القاضي، ولا يسقط هذا الدين إلا بالاداء أو الابراء.
وقال أحمد: لا نفقة لها ولاسكنى، لحديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها البتة، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس لك عليه نفقة».
وقال الشافعي ومالك: لها السكنى بكل حال ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، لأن عائشة وابن المسيب أنكرا على فاطمة بنت قيس حديثها، قال مالك: سمعت ابن شهاب يقول: المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل، وليست لها نفقة، إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها، ثم قال: وهذا الأمر عندنا.

.الحضانة:

.معناها:

الحضانة مأخوذة من الحيض، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنا الشئ جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحه، وكذلك المرأة إذا ضمت ولدها.
وعرفها الفقهاء: بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير، أو الصغيرة، أو المعتوه الذي لا يميز ولا يستقل بأمره، وتعهده بما يصلحه، ووقايته مما يوذيه ويضره، وتربيته جسميا ونفسيا وعقليا، كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسئولياتها.
والحضانة بالنسبة للصغير أو للصغيرة واجبة، لأن الاهمال فيها يعرض الطفل للهلاك والضياع.
الحضانة حق مشترك: الحضانة حق للصغير لاحتياجه إلى من يرعاه، ويحفظه، ويقوم على شئونه، ويتولى تربيته.
ولامه الحق في احتضانه كذلك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به».
وإذا كانت الحضانة حقا للصغير فإن الأم تجبر عليها إذا تعينت بأن يحتاج الطفل إليها ولم يوجد غيرها، كي لا يضيع حقه في التربية والتأديب.
فإن لم تتعين الحضانة بأن كان للطفل جدة ورضيت بإمساكه وامتنعت الأم فإن حقها في الحضانة يسقط بإسقاطها إياه، لأن الحضانة حق لها.
وقد جاء في بعض الاحكام التي أصدرها القضاء الشرعي ما يؤيد هذا، فقد أصدرت محكمة جرجا في 23 / 7 / 1933 ما يلي: إن لكل من الحاضنة والمحضون حقا في الحضانة، إلا أن حق المحضون أقوى من حق الحاضنة، وإن إسقاط الحاضنة حقها لا يسقط حق الصغير.
وجاء في حكم محكمة العياط في 7 أكتوبر سنة 1928: إن تبرع غير الأم بنفقة المحضون الرضيع لا يسقط حقها في حضانة هذا الرضيع، بل يبقى في يدها ولا ينزع منها مادام رضيعا.
وذلك حتى لا يضار الصغير بحرمانه من أمه التي هي أشفق الناس عليه وأكثرهم صبرا على خدمته.

.الأم أحق بالولد من أبيه:

أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه، إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامهما عليه ما يبني جسمه وينمي عقله، ويزكي نفسه ويعده لحياة.
فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل، فالأم أحق به من الاب، ما لم يقم بالأم مانع يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره.
وسبب تقديم الأم أن لها ولاية الحضانة والرضاع، لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها، ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل، وعندها من الوقت ما ليس عنده، لهذا قدمت الأم رعاية لمصلحة الطفل.
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يارسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي».
أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمربن الخطاب امرأة من الانصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إن عمر فارقها، فجاء عسر قباء - فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد.
فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق.
فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني.
فقال أبو بكر: خل بينها وبينه.
فما راجعه عمر الكلام رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة، تلقاه أهل العلم بالقبول.
وفي بعض الروايات أنه قال له: الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخير وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج.
وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من كون الأم أعطف وألطف هو العلة في أحقية الأم بولدها الصغير.
ترتيب أصحاب الحقوق في الحضانة: وإذا كانت الحضانة للام ابتداء فقد لاحظ الفقهاء أن قرابة الأم تقدم على قرابة الاب، وأن الترتيب بين أصحاب الحق في الحضانة يكون على هذا النحو:
الأم: فإذا وجد مانع يمنع تقديمها انتقلت الحضانة إلى أم الأم، وإن علت. فإن وجد مانع انتقلت إلى أم الاب، ثم إلى الأخت الشقيقة. ثم الأخت لام، ثم الأخت لاب، ثم بنت الأخت الشقيقة فبنت الأخت لام. ثم الخالة الشقيقة، فالخالة لام. فالخالة لاب. ثم بنت الأخت لاب. ثم بنت الاخ الشقيق، فبنت الاخ لام، فبنت الاخ لاب، ثم العمة الشقيقة، فالعمة لأم فالعمة لاب، ثم خالة الأم، فخالة الاب، فعمة الأم، فعمة الاب، بتقديم الشقيقة في كل منهن.
فإذا لم توجد للصغير قريبات من هذه المحارم، أو وجدت وليست أهلا للحضانة، انتقلت الحضانة إلى العصبات من المحارم، من الرجال على حسب الترتيب في الارث.
فينتقل حق الحضانة إلى الاب، ثم أبي أبيه، وإن علا، ثم إلى الاخ الشقيق، ثم إلى الاخ الاب، ثم ابن الاخ الشقيق، ثم ابن الاخ الاب، ثم الغم الشقيق، فالعم لاب، ثم عم أبيه الشقيق، ثم عم أبيه لاب.
فإذا لم يوجد من عصبته من الرجال المحارم أحد، أو وجد وليس أهلا للحضانة، انتقل حق الحضانة إلى محارمه من الرجال غير العصبة.
فيكون للجد لام، ثم للاخ لام، ثم لابن الاخ لام، ثم للعم لام، ثم للخال الشقيق، فالخال لاب، فالخال لام.
فإذا لم يكن للصغير قريب عين القاضي له حاضنة تقوم بتربيته.
وإنما كان ترتيب الحضانة على هذا النحو، لأن حضانة الطفل أمر لابد منه، وأولى الناس به قرابته، وبعض القرابة أولى من بعض.
فيقدم الأولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ابتداءا، فإذا لم يكونوا موجودين، أو كانوا ووجد ما يمنعهم من الحضانة، انتقلت إلى الاقرب فالاقرب.
فإن لم يكن ثمة قريب، فإن الحاكم مسئول عن تعيين من يصلح للحضانة.

.شروط الحضانة:

يشترط في الحاضنة التي تتولى تربية الصغير وتقوم على شئونه، الكفاءة والقدرة على الاضطلاع بهذه المهمة، وإنما تتحقق القدرة والكفاءة بتوفر شروط معينة، فإذا لم يتوفر شرط منها سقطت الحضانة، وهذه الشروط هي:

.1- العقل:

فلا حضانة لمعتوه، ولا مجنون، وكلاهما لايستطيع القيام بتدبير نفسه، فلا يفوض له أمر تدبير غيره، لأن فاقد الشئ لا يعطيه.

.2- البلوغ:

لأن الصغير ولو كان مميزا في حاجة إلى من يتولى أمره ويحضنه، فلا يتولى هو أمر غيره.

.3- القدرة على التربية:

فلا حضانة لكفيفة، أو ضعيفة البصر، ولا لمريضة مرضا معديا، أو مرضا يعجزها عن القيام بشئونه، ولا لمتقدمة في السن تقدما يحوجها إلى رعاية غيرها لها. ولا لمهملة لشئون بيتها كثيرة المغادرة له، بحيث يخشى من هذا الاهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به. أو لقاطنة مع مريض مرضا معديا، أو مع من يبغض الطفل، ولو كان قريبا له، حيث لا تتوفر له الرعاية الكافية، ولا الجو الصالح.

.4- الأمانة والخلق:

لأن الفاسقة غير مأمونة على الصغير ولا يوثق بها في أداء واجب الحضانة، وربما نشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها، وقد ناقش ابن القيم هذا الشرط فقال: مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعا وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي رحمهما الله وغيرهم. واشتراطها في غاية البعد.
ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الأمة، واشتد العنت ولم يزل من حين قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم، لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم هم الاكثرين، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه، وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والاعصار على خلافة بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح، فإنه دائم الوقوع في الأمصار والاعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق، ولم يزل الفسق في الناس.
ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقا في تربية ابنه وحضانته له، ولامن تزويجه موليته.
والعادة شاهدة بأن الرجل لو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها.
ويحرص على الخير لها بجهده وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد.
والشارع يكتفي في ذلك على الباعث الطبيعي. ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للامة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به.
فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العمل بخلافه، ولو كان الفسق ينافي الحضانة، لكان من زنى، أو شرب الخمر، أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره. والله أعلم.

.5- الإسلام:

فلا تثبت الحضانة للحاضنة الكافرة للصغير المسلم، لأن الحضانة ولاية، ولم يجعل الله ولاية للكافر، على المؤمن {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فهي كولاية الزواج والمال، ولأنه يخشى على دينه من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها، وتربيته على هذا الدين، ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل ففي الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» وذهب الأحناف وابن القاسم من المالكية وأبو ثور إلى أن الحضانة تثبت للحاضنة مع كفرها وإسلام الولد لأن الحضانة لا تتجاوز رضاع الطفل وخدمته، وكلاهما يجوز من الكافرة.
وروى أبو داود والنسائي: أن رافع بن سنان أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ابنتي - وهي فطيم. أو شبهه، وقال رافع: ابنتي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أهدها» فمالت إلى أبيها فأخذها والأحناف وإن رأوا جواز حضانة الكافرة، إلا أنهم اشترطوا: أن لا تكون مرتدة، لأن المرتدة عندهم تستحق الحبس حتى تتوب وتعود إلى الإسلام أو تموت في الحبس، فلا تتاح لها الفرصة لحضانة الطفل، فإن تابت وعادت عاد لها حق الحضانة.

.6- أن لا تكون متزوجة:

فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة.
لما رواه عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله أن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي» أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وهذا الحكم بالنسبة للمتزوجة بأجنبي فإن تزوجت بقريب محرم من الصغير، مثل عمه، فإن حضانتها لا تسقط، لأن العم صاحب حق في الحضانة وله من صلته بالطفل وقرابته منه ما يحمله على الشفقة عليه ورعاية حقه فيتم بينهما التعاون على كفالته بخلاف الاجنبي.
فإنها إذا تزوجته فإنه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية به.
فلا يجد الجو الرحيم ولاالتنفس الطبيعي ولا الظروف التي تنمي ملكاته ومواهبه.
ويرى الحسن وابن حزم أن الحضانة لا تسقط بالتزويج بحال.